فلما سأله بعد ذلك عن ضالّة الإبل تَمَعّر وجهه وقال "مالَكَ ولها معها حذاؤها وسقاؤها تَشرب الماءَ وترعَى الشجرَ حتى يلقاها ربها" وروى مالك، في "الموطأ"، أن أبا هريرة مرّ بقوممٍ محرمين فاستفتوه في لَحْم صيد وجدوا أناساً أحلة يأكلونه فأفتاهم بالأكل منه ثم قدم المدينة فسأل عُمر بن الخطاب عن ذلك فقال له عمر بمَ أفتيتَهم قال : أفتيتهم بأكله فقال :"لو أفتيتهم بغير ذلك لأوْجَعْتُك".
وجملة :﴿ كأنما يساقون إلى الموت ﴾ في موضع الحال من الضمير المرفوع في ﴿ يجادلونك ﴾ أي حالتهم في وقت مجادلتهم إياك تشبه حالتهم لو ساقهم سائق إلى الموت، والمراد بالموت الحالة المضادة للحياة وهو معنى تكرهه نفوس البشر، ويصوره كل عقل بما يتخيله من الفظاعة والبشاعة كما تصوره أبو ذؤيب في صورة سَبُع في قوله :
وإذا المنية أنشبت أظفارها
وكما تخيل، تأبط شراً الموت طامعا في اغتياله فنجا منه حين حاصره أعداؤه في جحر في جبل :
فَخَالطَ سَهْلَ الأرض لم يكدح الصفا
به كَدْحةً والموتُ خزيانُ يَنظر...
فقوله تعالى :﴿ كأنما يساقون إلى الموت ﴾ تشبيه لحالهم، في حين المجادلة في اللحاق بالمشركين، بحال من يجادل ويمانع من يسوقه إلى ذات الموت.
وهذا التفسير أليق بالتشبيه لتحصل المخالفة المطلقة بين الحالة المشبهة والحالة المشبه بها، وإلا فإن أمرهم بقتال العدو الكثير العَدد، وهم في قلة، إرْجاء بهم إلى الموت إلا أنه موت مظنون، وبهذا التفسير يظهر حسن موقع جملة :﴿ وهم ينظرون ﴾ أما المفسرون فتأولوا الموت في الآية بأنه الموت المتيقن فيكون التخالف بين المشبه والمشبه به تخالفاً بالتقييد.