فصل


قال الفخر :
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) ﴾
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن قوله :﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج وذكروا فيه وجوهاً : الأول : أن النبي ﷺ لما رأى كثرة المشركين يوم بدر وقلة المسلمين قال :" من قتل قتيلاً فله سلبه ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا " ليرغبهم في القتال، فلما انهزم المشركون قال سعد بن عبادة : يا رسول الله إن جماعة من أصحابك وقومك فدوك بأنفسهم، ولم يتأخروا عن القتال جبناً ولا بخلاً ببذل مهجهم ولكنهم أشفقوا عليك من أن تغتال فمتى أعطيت هؤلاء ما سميته لهم بقي خلق من المسلمين بغير شيء فأنزل الله تعالى :﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفال قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول﴾ [ الأنفال : ١ ] يصنع فيها ما يشاء، فأمسك المسلمون عن الطلب وفي أنفس بعضهم شيء من الكراهية وأيضاً حين خرج الرسول ﷺ إلى القتال يوم بدر كانوا كارهين لتلك المقاتلة على ما سنشرح حالة تلك الكراهية، فلما قال تعالى :﴿قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول﴾ كان التقدير أنهم رضوا بهذا الحكم في الأنفال وإن كانوا كارهين له كما أخرجك ربك من بيتك بالحق إلى القتال وإن كانوا كارهين له وهذا الوجه أحسن الوجوه المذكورة هنا.
الثاني : أن يكون التقدير ثبت الحكم بأن الأنفال لله، وإن كرهوه كما ثبت حكم الله بإخراجك إلى القتال وإن كرهوه.
الثالث : لما قال :﴿أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون حَقّاً﴾ كان التقدير : أن الحكم بكونهم مؤمنين حق، كما أن حكم الله بإخراجك من بيتك للقتال حق.
الرابع : قال الكسائي :"الكاف" متعلق بما بعده، وهو قوله :﴿يجادلونك فِي الحق﴾ والتقدير ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾ على كره فريق من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال ويجادلونك فيه.
والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon