لقاء العير، واختاروا ذلك على لقاء العدو ولم يعلموا ما وراء ذلك
﴿ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين﴾ [ الأنفال : ٧ ] إلى ما قصه تعالى عليهم من اكتنافهم برحمته وشمول ألطافه وآلائه وبسط نفوسهم ونبههم على ما يثبت يقينهم ويزيد في إيمانهم، ثم أعلم أن الخير كله في التقوى فقال :﴿يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً﴾ [ الأنفال : ٢٩ ] الاية، وهذا الفرقان هو الذي حرمه إبليس وبلعام، فكان منهما ما تقدم من اتباع الأهواء القاطعة لهم عن الرحمة، وقد تضمنت الآية حصول خير الدنيا والآخرة بنعمة الاتقاء، ثم أجمل الخيران معاً في قوله ﴿والله ذو الفضل العظيم﴾ [ الأنفال : ٢٩ ] بعد تفصيل ما إليه إسراع المؤمنين من الفرقان والتكفير والغفران، ولم يقع التصريح بخيري الدنيا الخاص بها مع اقتضاء الآية إياه تنزيهاً للمؤمن في مقام إعطاء الفرقان وتكفير السيئات، والغفران من ذكر متاع الدنيا التي هي لهو ولعب فلم يكن ذكر متاعها الفاني ليذكر مفصلاً مع ما لا يجانسه ولا يشاكله ﴿وإن الدار الآخرة لهي الحيوان﴾ [ العنكبوت : ٦٤ ] ثم التحمت الآي، ووجه آخر وهو أنه تعالى لما قال ﴿وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له﴾ بيَّن لهم كيفية هذا الاستماع وما الذي يتصف به المؤمن من ضروبه فقال ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله﴾ [ الأنفال : ٢ ] الآية، فهؤلاء لم يسمعوا بآذانهم فقط، ولا كانت لهم آذان لا يسمعون بها ولا قلوب لا يفقهون بها، ولو كانوا كذا لما وجلت وعمهم الفزع والخشية وزادتهم الآيات إيماناً، فإذن إنما يكون سماع المؤمن هكذا ﴿ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون﴾ [ الأنفال : ٢١ ] ولما كان هؤلاء إنما أتى عليهم من اتباع أهوائهم والوقوف مع أعراضهم وشهواتهم ﴿يأخذون عرض هذا الأدنى﴾ [ الأعراف : ١٦٩ ] ﴿ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه﴾ [ الأعراف : ١٧٦ ] وهذه بعينها كانت آفة إبليس، رأى لنفسه المزيد واعتقد لها الحق ثم اتبع هذا الهوى حين قال {لم أكن لأسجد


الصفحة التالية
Icon