﴿ يسألونك عن الأنفال. قل : الأنفال لله والرسول. فاتقوا الله وأصحلوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله، إن كنتم مؤمنين ﴾..
لقد كان الهتاف لهذه القلوب التي تنازعت على الأنفال، هو الهتاف بتقوى الله.. وسبحان خالق القلوب العليم بأسرار القلوب.. إنه لا يرد القلب البشري عن الشعور بأعراض الحياة الدنيا، والنزاع عليها - وإن كان هذا النزاع متلبساً هنا بمعنى الشهادة بحسن البلاء - إلا استجاشة الشعور بتقوى الله وخوفه وتلمس رضاه في الدنيا والأخرى.. إن قلباً لا يتعلق بالله، يخشى غضبه ويتلمس رضاه، لا يملك أن يتخلص من ثقلة الأعراض، ولا يملك أن يرف شاعراً بالانطلاق!
إن التقوى زمام هذه القلوب الذي يمكن أن تقاد منه طائعة ذلولة في يسر وفي هوادة.. وبهذا الزمام يقود القرآن هذه القلوب إلى إصلاح ذات بينها :
﴿ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ﴾.
وبهذا الزمام يقودها إلى طاعة الله ورسوله :
﴿ وأطيعوا الله ورسوله ﴾.
وأول الطاعة هنا طاعته في حكمه الذي قضاه في الأنفال. فقد خرجت من أن تكون لأحد من الغزاة على الإطلاق، وارتدت ملكيتها ابتداء لله والرسول، فانتهى حق التصرف فيها إلى الله والرسول. فما على الذين آمنوا إلا أن يستسلموا فيها لحكم الله وقسم رسول الله ؛ طيبة قلوبهم، راضية نفوسهم ؛ وإلا أن يصلحوا علائقهم ومشاعرهم، ويصفوا قلوبهم بعضهم لبعضهم.. ذلك. :
﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾..
فلا بد للإيمان من صورة عملية واقعية. يتجلى فيها، ليثبت وجوده، ويترجم عن حقيقته. وكما قال رسول الله ـ ﷺ ـ :" ليس الإيمان بالتمني، ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل " ومن ثم يرد مثل هذا التعقيب كثيراً في القرآن لتقرير هذا المعنى الذي يقرره قول رسول الله ـ ﷺ ـ ولتعريف الإيمان وتحديده ؛ وإخراجه من أن يكون كلمة تقال باللسان، أو تمنياً لا واقعية له في عالم العمل والواقع.


الصفحة التالية
Icon