ثم يعقب بتقرير صفات الإيمان " الحق " كما يريده رب هذا الدين ؛ ليحدد لهم ما يعنيه قوله تعالى :﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾.. فها هو ذا الإيمان الذي يريده منهم رب هذا الدين :
﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقاً، لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ﴾..
إن التعبير القرآني دقيق في بنائه اللفظي ليدل دلالة دقيقة على مدلوله المعنوي. وفي العبارة هنا قصر بلفظ :﴿ إنما ﴾. وليس هنالك مبرر لتأويله - وفيه هذا الجزم الدقيق - ليقال : إن المقصود هو " الإيمان الكامل "! فلو شاء الله - سبحانه - أن يقول هذا لقاله. إنما هو تعبير محدد دقيق الدلالة. إن هؤلاء الذين هذه صفاتهم وأعمالهم ومشاعرهم هم المؤمنون. فغيرهم ممن ليس له هذه الصفات بجملتها ليسوا بالمؤمنين. والتوكيد في آخر الآيات :﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ يقرر هذه الحقيقة. فغير المؤمنين ﴿ حقاً ﴾ لا يكونون مؤمنين أصلاً.. والتعبيرات القرآنية يفسر بعضها بعضاً. والله يقول :﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾ فما لم يكن حقاً فهو الضلال. وليس المقابل لوصف :﴿ المؤمنون حقاً ﴾ هو المؤمنون إيماناً غير كامل! ولا يجوز أن يصبح التعبير القرآني الدقيق عرضة لمثل هذه التأويلات المميعة لكل تصور ولكل تعبير!
لذلك كان السلف يعرفون من هذه الآيات أن من لم يجد في نفسه وعمله هذه الصفات لم يجد الإيمان، ولم يكن مؤمناً أصلاً.. جاء في تفسير ابن كثير : قال علي ابن طلحة عن ابن عباس، في قوله :﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾ قال : المنافقون : لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون، ولا يصلون إذا غابوا ( أي عن أعين الناس ) ولا يؤدون زكاة أموالهم.