وقد قال له :" إن هذا السيف لا لك ولا لي، ضعه " فلما نودي سعد من ورائه بعد وضعه السيف وانصرافه، توقع أن يكون الله - سبحانه - قد أنزل فيه شيئاً ؛ قال :" قلت : قد أنزل الله فيّ شيئاً " قال رسول الله ـ ﷺ ـ :" كنت سألتني السيف وهو ليس لي، وإنه قد وهب لي، فهو لك ". فهكذا كانوا يعيشون مع ربهم، ومع هذا القرآن الذي يتنزل عليهم. وهو شيء هائل. وهي فترة عجيبة في حياة البشر. ومن ثم كانوا يتذوقون القرآن هذا التذوق.. كما أَن قيامهم بالحركة الواقعية في ظل التوجيهات القرآنية المباشرة كان يجعل التفاعل مع هذا التذوق مضاعفاً.. وإذا كانت الأولى لا تتكرر في حياة البشر ؛ فإن هذه الثانية تتكرر كلما قامت في الأرض عصبة مؤمنة تحاول بالحركة أن تنشئ هذا الدين في واقع الناس كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تنشئه.. وهذه العصبة المؤمنة التي تتحرك بهذا القرآن لإعادة إنشاء هذا الدين في واقع الناس هي التي تتذوق هذا القرآن ؛ وتجد في تلاوته ما يزيد قلوبها إيماناً ؛ لأنها ابتداء مؤمنة. الدين عندها هو الحركة لإقامة هذا الدين بعد الجاهلية التي عادت فطغت على الأرض جميعاً! وليس الإيمان عندها بالتمني، لكن ما وقر في القلب وصدقه العمل!
﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾..
عليه وحده.. كما يفيده بناء العبارة. لا يشركون معه أحداً يستعينون به ويتوكلون عليه.. أو كما عقب عليها الإمام ابن كثير في التفسير :" أي لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، ولهذا قال سعيد ابن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان "..


الصفحة التالية
Icon