فصل
قال الفخر :
النوع الخامس : من النعم المذكورة ههنا قوله :﴿إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الملئكة أَنّي مَعَكُمْ﴾ وفيه بحثان : الأول : قال الزجاج :﴿إِذْ﴾ في موضع نصب، والتقدير : وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام حال ما يوحي إلى الملائكة بكذا وكذا، ويجوز أيضاً أن يكون على تقدير اذكروا.
الثاني : قوله :﴿إِنّى مَعَكُمْ﴾ فيه وجهان : الأول : أن يكون المراد أنه تعالى أوحى إلى الملائكة بأنه تعالى معهم أي مع الملائكة حال ما أرسلهم ردأً للمسلمين.
والثاني : أن يكون المراد أنه تعالى أوحى إلى الملائكة أني مع المؤمنين فانصروهم وثبتوهم، وهذا الثاني أولى لأن المقصود من هذا الكلام إزالة التخويف والملائكة ما كانوا يخافون الكفار، وإنما الخائف هم المسلمون.
ثم قال :﴿فَثَبّتُواْ الذين ءامَنُواْ﴾ واختلفوا في كيفية هذا التثبيت على وجوه : الأول : أنهم عرفوا الرسول ﷺ أن الله ناصر المؤمنين والرسول عرف المؤمنين ذلك، فهذا هو التثبيت والثاني : أن الشيطان كما يمكنه إلقاء الوسوسة إلى الإنسان، فكذلك الملك يمكنه إلقاء الإلهام إليه فهذا هو التثبيت في هذا الباب.
والثالث : أن الملائكة كانوا يتشبهون بصور رجال من معارفهم وكانوا يمدونهم بالنصر والفتح والظفر.
والنوع السادس : من النعم المذكورة في هذه الآية قوله :﴿سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب﴾ وهذا من النعم الجليلة، وذلك لأن أمر النفس هو القلب فلما بين الله تعالى أنه ربط قلوب المؤمنين بمعنى أنه قواها وأزال الخوف عنها ذكر أنه ألقى الرعب والخوف في قلوب الكافرين فكان ذلك من أعظم نعم الله تعالى على المؤمنين.