وقال ابن عطية :
﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾
قال بعض المتأولين : هذه الآية مخاطبة للمؤمنين الحاضرين بوم بدر، قال الله لهم :﴿ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ﴾ وهو الحكم بينكم وبين الكافرين فقد جاءكم، وقد حكم الله لكم، ﴿ وإن تنتهوا ﴾ عما فعلتم من الكلام في أمر الغنائم وما شجر بينكم فيها وعن تفاخركم بأفعالكم من قتل وغيره فهو خير لكم ﴿ وإن تعودوا ﴾ لهذه الأفعال نعد لتوبيخكم، ثم أعلمهم أن الفئة وهي الجماعة لا تغني وإن كثرت إلا بنصر الله تعالى ومعونته، ثم أنسهم بقوله وإيجابه، أنه مع المؤمنين، وقال أكثر المتأولين : هذه الآية مخاطبة للكفار أهل مكة، وذلك أنه روي أن أبا جهل كان يدعو أبداً في محافل قريش، ويقول اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأهلكه واجعله المغلوب، يريد محمداً ﷺ وإياهم، وروي أن قريشاً لما عزموا على الخروج إلى حماية العير تعلقوا بأستار الكعبة واستفتحوا، وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر : اللهم انصر أحب الفئتين إليك وأظهر خير الدينين عندك، اللهم أقطعنا للرحم فاحنه الغداة، ونحو هذا فقال لهم الله، إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم أي كما ترونه عليكم لا لكم.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا توبيخ، ثم قال لهم ﴿ وإن تنتهوا ﴾ عن كفركم وغيكم ﴿ فهو خير لكم ﴾ ثم أخبرهم أنهم إن عادوا للاستفتاح عاد بمثل الوقعة يوم بدر عليهم، ثم أعلمهم أن فئتهم لا تعني شيئاً وإن كانت كثيرة، ثم أعلمهم أنه مع المؤمنين.