الثالث : قال الأكثرون :﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ هو الجهاد، ثم في سبب تسمية الجهاد بالحياة وجوه : أحدها : هو أن وهن أحد العدوين حياة للعدو الثاني.
فأمر المسلمين إنما يقوى ويعظم بسبب الجهاد مع الكفار.
وثانيها : أن الجهاد سبب لحصول الشهادة وهي توجب الحياة الدائمة قال تعالى :﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله أمواتا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ] وثالثها : أن الجهاد قد يفضي إلى القتل، والقتل يوصل إلى الدار الآخرة، والدار الآخرة معدن الحياة.
قال تعالى :﴿وَإِنَّ الدار الاخرة لَهِىَ الحيوان﴾ [ العنكبوت : ٦٤ ] أي الحياة الدائمة.
والقول الرابع :﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ أي لكل حق وصواب، وعلى هذا التقدير فيدخل فيه القرآن والإيمان والجهاد وكل أعمال البر والطاعة.
والمراد من قوله :﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ الحياة الطيبة الدائمة قال تعالى :﴿فلنحيينه حياة طيبة﴾ [ النحل : ٩٧ ].
المسألة الرابعة :
قوله تعالى :﴿واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ﴾ يختلف تفسيره بحسب اختلاف الناس في الجبر والقدر.
أما القائلون بالجبر، فقال الواحدي حكاية عن ابن عباس والضحاك : يحول بين المرء الكافر وطاعته، ويحول بين المرء المطيع ومعصيته، فالسعيد من أسعده الله، والشقي من أضله الله.
والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، فإذا أراد الكافر أن يؤمن والله تعالى لا يريد إيمانه يحول بينه وبين قلبه.
وإذا أراد المؤمن أن يكفر والله لا يريد كفره حال بينه وبين قلبه.
قلت : وقد دللنا بالبراهين العقلية على صحة أن الأمر كذلك وذلك لأن الأحوال القلبية إما العقائد وإما الإرادات والدواعي.
أما العقائد : فهي إما العلم، وإما الجهل.


الصفحة التالية
Icon