فصل


قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح﴾
فيه قولان :
القول الأول : وهو قول الحسن ومجاهد والسدي أنه خطاب للكفار، روي أن أبا جهل قال يوم بدر : اللهم انصر أفضل الدينين وأحقه بالنصر، وروي أنه قال : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأفجر، فأهلكه الغداة، وقال السدي : إن المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا أستار الكعبة وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين، فأنزل الله هذه الآية، والمعنى : إن تستفتحوا أي تستنصروا لأهدى الفئتين وأكرم الحزبين، فقد جاءكم النصر.
وقال آخرون : أن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
والقول الثاني : أنه خطاب للمؤمنين، روي أنه عليه السلام لما رأى المشركين وكثرة عددهم استغاث بالله، وكذلك الصحابة وطلب ما وعده الله به من إحدى الطائفتين وتضرع إلى الله فقال :﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح﴾ والمراد أنه طلب النصرة التي تقدم بها الوعد، فقد جاءكم الفتح، أي حصل ما وعدتم به فاشكروا الله والزموا طاعته.
قال القاضي : وهذا القول أولى لأن قوله :﴿فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح﴾ لا يليق إلا بالمؤمنين، أما لو حملنا الفتح على البيات والحكم والقضاء، لم يمتنع أن يراد به الكفار.
أما قوله :﴿وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ فتفسير هذه الآية، يتفرع على ما ذكرنا من أن قوله :﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح﴾ خطاب للكفار أو للمؤمنين.
فإن قلنا : إن ذلك خطاب للكفار، كان تأويل هذه الآية إن تنتهوا عن قتال الرسول وعداوته وتكذيبه فهو خير لكم، أما في الدين فبالخلاص من العقاب والفوز بالثواب.
وأما في الدنيا فبالخلاص من القتل والأسر والنهب.


الصفحة التالية
Icon