ثم قال :﴿وَإِن تَعُودُواْ﴾ أي إلى القتال ﴿نَعُدُّ﴾ أي نسلطهم عليكم، فقد شاهدتم ذلك يوم بدر وعرفتم تأثير نصرة الله للمؤمنين عليكم ﴿وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ﴾ أي كثرة الجموع كما لم يغن ذلك يوم بدر.
وأما إن قلنا إن ذلك خطاب للمؤمنين كان تأويل هذه الآية وإن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال وتنتهوا عن طلب الفداء على الأسرى فقد كان وقع منهم نزاع يوم بدر في هذه الآشياء حتى عاتبهم الله بقوله :
﴿لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ﴾ [ الأنفال : ٦٨ ] فقال تعالى :﴿إِن تَنتَهُواْ﴾ عن مثله ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ﴾ إلى تلك المنازعات ﴿نَعُدُّ﴾ إلى ترك نصرتكم لأن الوعد بنصرتكم مشروط بشرط استمراركم على الطاعة وترك المخالفة، ثم لا تنفعكم الفئة والكثرة، فإن الله لا يكون إلا مع المؤمنين الذين لا يرتكبون الذنوب.
واعلم أن أكثر المفسرين حملوا قوله :﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ﴾ على أنه خطاب للكفار، واحتجوا بقوله تعالى :﴿وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ﴾ فظنوا أن ذلك لا يليق إلا بالقتال، وقد بينا أن ذلك يحتمل الحمل على ما ذكرناه من أحوال المؤمنين، فسقط هذا الترجيح.
وأما قوله :﴿وَأَنَّ الله مَعَ﴾ فقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم ﴿الارض وَأَنَّ الله﴾ بفتح الألف في أن والباقون بكسرها.
أما الفتح فقيل : على تقدير، ولأن الله مع المؤمنين، وقيل هو معطوف على قوله :﴿إِنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين﴾ وأما الكسر فعلى الابتداء. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٥ صـ ١١٤ ـ ١١٥﴾