وفي هذا القول نجد أن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة تأخرت هنا عن النساء والبنين. ولم يأت بذكر الأموال أولاً ثم الأولاد كفتنة. وعلينا أن ننتبه أنه سبحانه وتعالى جاء هنا بالقناطير المقنطرة، وهي تأتي بعد تحقيق الشهوة الأولى ؛ وهي النساء، والزينة الثانية وهي الأبناء، ونعلم أن من عنده مال يكفيه للزواج والإنجاب قد يطمع في المزيد من المال، فإن كانت الوحدة من القناطير المقنطرة هي القنطار، فمعنى ذلك أن الإنسان الذي يملك قنطاراً إنما يطمع في الزيادة مثلما يطمع من يملك ألف جنيه في أن يزيد ما يمتلكه ويصل إلى مليون جنيه، وهكذا. إذن فالقناطير المقنطرة تعني الرغبة في المبالغة في الغنى.
وهنا يقول الحق تبارك وتعالى :
﴿ واعلموا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [ الأنفال : ٢٨ ].
ويقول في آية ثانية :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم ﴾ [ التغابن : ١٤ ].
وفي هذا القول نجد أن العداوة تأتي من الأزواج قبل الأولاد، ونعلم أن الزوجة في بعض الأحيان هي التي تكره أولاً ثم يتأثر بكراهيتها ويتشبه بها الأبناء، وهذا كلام منطقي ؛ لأن الذي يتكلم هو رب حكيم.
﴿ واعلموا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾.
وفي هذا القول تحذير واضح : إياكم أن ترسبوا في هذا الاختبار ؛ فمن يجمع المال من حرام لترف أبنائه فهو خائن للأمانة، وهذا له عقاب، ولذلك يذكرنا الحق تبارك وتعالى في آخر هذه الآية بما يحبب إلينا النجاح في الاختبار فيقول سبحانه :
﴿ وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾.