أَنَّهُ دَعَا إِلَيْهِ دَعْوَةً عَامَّةً مِنْ أَمْرِ الدِّينِ الَّذِي بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ، كَبَيَانِهِ لِصِفَةِ الصَّلَوَاتِ وَعَدَدِهَا وَالْمَنَاسِكِ وَلَوْ بِالْفِعْلِ، مَعَ قَوْلِهِ : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَقَوْلِهِ : خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَمَقَادِيرِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ السُّنَنِ الْعَمَلِيَّةِ الدِّينِيَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَكَذَا أَقْوَالُهُ الْمُتَوَاتِرَةُ الَّتِي أُمِرَ بِتَبْلِيغِهَا فِيمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً - وَأَمَّا غَيْرُ الْقَطْعِيِّ رِوَايَةً وَدَلَالَةً مِنْ سُنَنِهِ فَهُوَ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ، فَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهَا بِبَحْثِهِ أَوْ بَحْثِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَثِقُ بِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَمْرِ الدِّينِ، فَيَنْبَغِي لَهُ الِاهْتِدَاءُ بِهِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ بِحَسَبِهَا - الْوُجُوبُ، وَالنَّدْبُ، وَالْحُرْمَةُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْإِبَاحَةُ - ; لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَمَلِيَّةَ الِاجْتِهَادِيَّةَ يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّنِّ الرَّاجِحِ فِي الدَّلِيلِ وَفِي دَلَالَتِهِ، وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْعَلَ اجْتِهَادَهُ تَشْرِيعًا عَامًّا يُلْزِمُهُ غَيْرَهُ أَوْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ مُخَالَفَتَهُ أَوْ مُخَالَفَةَ مَنْ قَلَّدَهُ هُوَ فِيهِ، إِلَّا الْأَئِمَّةَ أُولِي الْأَمْرِ، فَتَجِبُ طَاعَتُهُمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ الْقَضَائِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ إِذَا حَكَمُوا بِهَا لِإِقَامَةِ الشَّرْعِ وَصِيَانَةِ