(الْأَوَّلُ) أَنَّ مِنْ سُنَّةِ اللهِ فِي الْبَشَرِ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ قَلْبِهِ، الَّذِي هُوَ مَرْكَزُ الْوِجْدَانِ وَالْإِدْرَاكِ، ذِي السُّلْطَانِ عَلَى إِرَادَتِهِ وَعَمَلِهِ، وَهَذَا أَخْوَفُ مَا يَخَافُهُ الْمُتَّقِي عَلَى نَفْسِهِ، إِذَا غَفَلَ عَنْهَا، وَفَرَّطَ فِي جَنْبِ رَبِّهِ، كَمَا أَنَّهُ أَرْجَى مَا يَرْجُوهُ الْمُسْرِفُ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَوْحِ اللهِ فِيهَا، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَعْجَبُ جُمَلِ الْقُرْآنِ، وَلَعَلَّهَا أَبْلَغُهَا فِي التَّعْبِيرِ، وَأَجْمَعُهَا لِحَقَائِقِ عِلْمِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَعِلْمِ الصِّفَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَعِلْمِ التَّرْبِيَةِ الدِّينِيَّةِ، الَّتِي تُعْرَفُ دَقَائِقُهَا بِمَا تُثْمِرُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، فَبَيْنَا زَيْدٌ يَسِيرُ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى، وَيَتَّقِي بُنَيَّاتِ طُرُقِ الضَّلَالَةِ الْمُوصِلَةِ إِلَى مَهَاوِي الرَّدَى، إِذَا بِقَلْبِهِ قَدْ تَقَلَّبَ بِعُصُوفِ هَوًى جَدِيدٍ، يَمِيلُ بِهِ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، مِنْ شُبْهَةٍ تُزَعْزِعُ الِاعْتِقَادَ، أَوْ شَهْوَةٍ يَغْلِبُ بِهَا الْغَيُّ عَلَى الرَّشَادِ. فَيُطِيعُ هَوَاهُ، وَيَتَّخِذُهُ إِلَهَهُ مَنْ دُونِ اللهِ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٢٥ : ٤٣) عَلَى أَنَّهُ فِيهِ مُخْتَارٌ، فَلَا جَبْرَ وَلَا اضْطِرَارَ.


الصفحة التالية
Icon