وَيُقَابِلُ هَذَا مِنَ الْحَيْلُولَةِ مَا حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ، أَنَّهُ كَانَ مُنْهَمِكًا فِي شَهَوَاتِهِ وَلَهْوِهِ، تَارِكًا لِهُدَاهُ وَطَاعَةِ رَبِّهِ، فَنَزَلَ يَوْمًا فِي زَوْرَقٍ مَعَ خِلَّانٍ لَهُ فِي نَهْرِ دِجْلَةَ لِلتَّنَزُّهِ وَمَعَهُمُ النَّبِيذُ وَالْمَعَازِفُ، فَبَيْنَا هُمْ يَعْزِفُونَ وَيَشْرَبُونَ، إِذِ الْتَقَوْا بِزَوْرَقٍ آخَرَ فِيهِ تَالٍ لِلْقُرْآنِ يُرَتِّلُ سُورَةَ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (٨١ : ١) فَوَقَعَتْ تِلَاوَتُهُ مِنْ نَفْسِهِ مَوْقِعَ التَّأْثِيرِ وَالْعِظَةِ، فَاسْتَمَعَ لَهُ وَأَنْصَتَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَوْلَهُ تَعَالَى : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (٨١ : ١٠) امْتَلَأَ قَلْبُهُ خَشْيَةً مِنَ اللهِ، وَتَدَبُّرًا لِاطِّلَاعِهِ عَلَى صَحِيفَةِ عَمَلِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ. فَأَخَذَ الْعُودَ مِنَ الْعَازِفِ
فَكَسَرَهُ، وَأَلْقَاهُ فِي دِجْلَةَ، وَثَنَّى بِنَبْذِ قَنَانِي النَّبِيذِ وَكُئُوسِهِ فِيهَا، وَصَارَ يُرَدِّدُ الْآيَةَ، وَعَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ تَائِبًا مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، مُجْتَهِدًا فِي كُلِّ مَا يَسْتَطِيعُ مِنْ طَاعَةٍ.