وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ عَلَيْهِمْ ] حَتَّى وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِهِ، وَأَخَذَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ إلَى الْغَارِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَظَرُوا إلَى عَلِيٍّ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ فَاتَهُمْ، وَوَجَدُوا التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا، تَحْتَ خِزْيٍ وَذِلَّةٍ، فَامْتَنَّ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ بِذَلِكَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ مَكْرِهِمْ بِمَا أَظْهَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ نَوْمِ عَلِيٍّ عَلَى السَّرِيرِ كَأَنَّهُ النَّبِيُّ، وَمِنْ وَضْعِ التُّرَابِ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مَكْرٌ مِنْ فِعْلِهِ جَزَاءً عَلَى مَكْرِهِمْ، وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَامَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءً لَهُ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ مُؤْنِسًا لَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ
لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إلَيْكَ ﴾.
وَهَذَا تَأْمِينُ يَقِينٍ، وَيَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ أَنْ يَقُوا بِأَنْفُسِهِمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَهْلِكُوا أَجْمَعِينَ فِي نَجَاتِهِ، فَلَنْ يُؤْمِنَ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَالْخَلْقِ أَجْمَعِينَ.
وَمَنْ وَقَى مُسْلِمًا بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ.
وَذَلِكَ جَائِزٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوبُ مُدَافَعَةِ الْمُطَالِبِ وَالصَّائِلِ عَلَى أَخِيك الْمُسْلِمِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن لابن العربى حـ ٢ صـ ﴾