وقال السمرقندى :
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ ﴾
وذلك أن نفراً من قريش اجتمعوا في دار الندوة ؛ وكانت قريش إذا اجتمعوا للمشورة والتدبير يجتمعون في تلك الدار، فاجتمعوا فيها وأغلقوا الباب لكيلا يدخل رجل من بني هاشم، ليمكروا بالنبي ﷺ ويحتالوا في أمره ؛ فدخل إبليس في صورة شيخ وعليه ثياب أطمار، وجلس معهم فقالوا من أدخلك أيها الشيخ في خلوتنا بغير إذننا؟ فقال : أنا رجل من أهل نجد، ورأيت حسن وجوهكم وطيب ريحكم، فأردت أن أسمع حديثكم، وأقتبس منكم خيراً وقد عرفت مرادكم، فإن كرهتم مجلسي خرجت عنكم.
فقالوا : هذا رجل من أهل نجد وليس من أرض تهامة، لا بأس عليكم منه فتكلموا فيما بينهم.
فقال عمرو بن هشام : أرى أن تأخذوه وتجعلوه في بيت وتسدوا بابه، وتجعلوا له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت.
فقال إبليس : بئس الرأي الذي رأيت، تعمدون إلى رجل له فيكم أهل بيت، وقد سمع به من حولكم فتحبسونه وتطعمونه، يوشك أهل بيته الذين فيكم أن يقاتلوكم أو يفسدوا جماعتكم.
فقالوا : صدق والله الشيخ.
ثم تكلم أبو البختري بن هشام قال : أرى أن تحملوه على بعير ثم تخرجوه من أرضكم، حتى يموت أو يذهب به حيث شاء، فقال إبليس عدو الله : بئس الرأي الذي رأيت، تعمدون إلى رجل أفسد جماعتكم ومعه منكم طائفة، فتخرجوه إلى غيركم، فيأتيهم سوء فيفسد منهم أيضاً جماعة، ويقبل إليكم ويكون فيه هلاككم.
فقالوا : صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل : أرى أن يجتمع من كل بطن منكم رجل، ثم تعطونهم السيوف فيضربونه جميعاً، فلا يدري قومه من يأخذون وتؤدي قريش ديته.
فقال إبليس : صدق والله هذا الشاب.
فتفرقوا على ذلك، فأمر الله تعالى بالهجرة وأخبره بمكر المشركين فنزلت هذه الآية ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ ﴾، يعني ليحبسوك في البيت أو يقتلوك بالبيت، ﴿ أَوْ يُخْرِجُوكَ ﴾ من مكة.


الصفحة التالية
Icon