وقال ابن عطية :
قوله ﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ﴾ الآية،
روي عن مجاهد وابن جبير وعطاء والسدي أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث الذي تقدم ذكره، وفيه نزلت هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد : وترتب أن يقول النضر بن الحارث مقالة وينسبها القرآن إلى جميعهم، لأن النضر كان فيهم موسوماً بالنبل والفهم مسكوناً إلى قوله، فكان إذا قال قولاً قاله منهم كثير واتبعوه عليه حسبما يفعله الناس أبداً بعلمائهم وفقهائهم، والمشار إليه بهذا هو القرآن وشرع محمد ﷺ، والذي حملهم على هذه المقالة هو الحسد، وذلك أنهم استبعدوا أن يكرم الله عليهم محمداً ﷺ هذه الكرامة، وعميت بصائرهم عن الهدى، وصمموا على أن هذا ليس بحق، فقالوا هذه المقالة كما يقول الإنسان لأمر قد تحقق بزعمه إنه لم يكن، إن كان كذا وكذا ففعل الله بي وصنع، وحكى ابن فورك أن هذه المقالة خرجت مخرج العناد مع علمهم بأنه حق، وكذلك ألزم بعض أهل اليمن معاوية بن أبي سفيان القصة المشهورة في باب الأجوبة، وحكاه الطبري عن محمد بن قيس ويزيد بن رومان.
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد التأويل ولا يقول هذا على جهة العناد عاقل، ويجوز في العربية رفع ﴿ الحق ﴾ على أنه خبر ﴿ هو ﴾ والجملة خبر ﴿ كان ﴾، قال الزّجاج : ولا أعلم أحداً قرأ بهذا الجائز وقراءة الناس إنما هي بنصب " الحقَّ " على أن يكون خبر " كان " ويكون هو فصلاً، فهو حينئذ اسم وفيه معنى الإعلام بان الذي بعده خبر ليس بصفة. و﴿ أمطر ﴾ إنما يستعمل في المكروه ومطر في الرحمة كذا قال أبو عبيدة.
قال القاضي أبو محمد : ويعارض هذه قوله ﴿ هذا عارض ممطرنا ﴾ [ الأحقاف : ٢٤ ] لأنهم ظنوها سحابة رحمة، وقولهم ﴿ من السماء ﴾ مبالغة وإغراق وهذان النوعان اللذان اقترحوهما هما السالفان في الأمم عافانا الله وعفا عنا ولا أضلنا بمنّة ويمنه. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾