والذي يظهر لي أن حكمة قولهم ﴿ من السماء ﴾ هي مقابلتهم مجيء الأمطار من الجهة التي ذكر ( ﷺ ) أنه يأتيه الوحي من جهتها أي إنك تذكر أنه يأتيك الوحي من السماء فأتنا بعذاب من الجهة التي يأتيك منها الوحي إذ كان يحسن أن يعبّر عن إرسال الحجارة عليهم من غير جهة السماء بقولهم :﴿ فأمطر علينا حجارة ﴾، وقالوا ذلك على سبيل الاستبعاد والاعتقاد أن ما أتي به ليس بحق، وقيل على سبيل الحسد والعناد مع علمهم أنه حق واستبعد هذا الثاني ابن فورك قال : ولا يقول هذا على وجه العناد عاقل انتهى، وكأنه لم يقرأ ﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ﴾ وقصّة أمية بن أبي الصلت وأحبار اليهود الذين قال الله تعالى فيهم :﴿ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ﴾، وقول الرسول ( ﷺ ) لهم :" والله إنكم لتعلمون أني رسول الله " أو كلام يقاربه واقتراحهم هذين النوعين هو على ما جرى عليه اقتراح الأمم السالفة، وسأل يهودي ابن عباس ممن أنت قال من قريش فقال أنت من الذين قالوا ﴿ إن كان هذا هو الحق من عندك ﴾ الآية، فهلا قالوا فاهدنا إليه، فقال ابن عباس فأنت يا إسرائيلي من الذين لم تجفَّ أرجلهم من بلل البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه ونجا موسى وقومه حتى قالوا اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة فقال له موسى ﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾ فأطرق اليهودي مفحماً، وعن معاوية أنه قال لرجل من سبأ ما أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة فقال أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله ( ﷺ ) حين دعاهم إلى الحقّ إن كان هذا هو الحق الآية، ولم يقولوا : فاهدنا له. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon