وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
في المشار إليه قولان.
أحدهما : أهل مكة.
وفي معنى الكلام قولان.
أحدهما : وما كان الله ليعذبهم وأنت مقيم بين أظهرهم.
قال ابن عباس : لم تُعذَّب قرية حتى يخرج نبيُّها والمؤمنون معه.
والثاني : وما كان الله ليعذِّبهم وأنت حي ؛ قاله أبو سليمان.
والثاني : أن المشار إليهم المؤمنون، والمعنى : وما كان الله ليعذب المؤمنين بضرب من العذاب الذي أهلك به مَن قبلهم وأنت حي ؛ ذكره أبو سليمان الدمشقي.
فصل
قال الحسن، وعكرمة : هذه الآية منسوخة بقوله :﴿ وما لهم ألاَّ يعذبَهم الله ﴾ [ الأنفال : ٣٤ ] وفيه بُعد لأن النسخ لا يدخل على الأخبار، وقال ابن أبزى : كان النبي ﷺ بمكة، فأنزل الله عز وجل ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ فخرج إلى المدينة، فأنزل الله ﴿ وما كان الله مُعذِّبَهم وهم يستغفرون ﴾ وكان أولئك البقية من المسلمين بمكة يستغفرون، فلما خرجوا أنزل الله ﴿ وما لهم ألاَّ يعذِّبَهم الله ﴾.
وجميع أقوال المفسرين تدل على أن قوله :﴿ وما كان الله معذِّبهم وهم يستغفرون ﴾ كلام مبتدأ من إخبار الله عز وجل.
وقد روي عن محمد بن إسحاق أنه قال : هذه الآية من قول المشركين، قالوا : والله إنَّ الله لا يعذبنا ونحن نستغفر، فردَّ الله عليهم ذلك بقوله :﴿ وما لهم ألاَّ يعذِّبَهم الله ﴾.
قوله تعالى :﴿ وما كان الله معذِّبَهم وهم يستغفرون ﴾ وفي معنى هذا الكلام خمسة أقوال.
أحدها : وما كان الله معذِّب المشركين، وفيهم من قد سبق له أن يؤمن ؛ رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، واختاره الزجاج.
والثاني : وما كان الله معذِّبَهم وهم يستغفرون الله، فانهم كانوا يلّبون ويقولون : غفرانك ؛ وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وفيه ضعف، لأن استغفار المشرك لا أثر له في القبول.