وقال أبو حيان :
﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾
نزلت هذه إلى يعلمون بمكة، وقيل بعد وقعة بدر حكاية عما حصل فيها.
وقال ابن ابزي : الجملة الأولى بمكة إثر قوله ﴿ بعذاب أليم ﴾، والثانية عند خروجه من مكة في طريقه إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون، والثالثة بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم ولما علقوا أمطار الحجارة أو الإتيان بعذاب أليم على تقدير كينونة ما جاء به الرسول ( ﷺ ) حقاً أخبر تعالى أنهم مستحقو العذاب لكنه لا يعذبهم وأنت فيهم إكراماً له وجرياً على عادته تعالى مع مكذّبي أنبيائه أن لا يعذبهم وأنبياؤهم مقيمون فيهم عذاباً يستأصلهم فيه، قال ابن عباس لم تعذّب أمة قط ونبيها فيها وعليه جماعة المتأولين فالمعنى فما كانت لتعذب أمتك وأنت فيهم بل كرامتك عند ربك أعظم وقال تعالى ﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾ ومن رحمته تعالى أن لا يعذّبهم والرسول فيهما ولما كان الإمطار للحجارة عليهم مندرجاً تحت العذاب كان النفي متسلّطاً على العذاب الذي إمطار الحجارة نوع منه فقال تعالى ﴿ وما كان الله ليعذبهم ﴾ ولم يجيء التركيب، وما كان الله ليمطر أوليائي بعذاب وتقييد نفي العذاب بكينونة الرسول فيهم إعلام بأنه إذا لم يكن فيهم وفارقهم عذّبهم ولكنه لم يعذبهم إكراماً له مع كونهم بصدد من يعذب لتكذيبهم.
قال ابن عطية عن أبي زيد : سمعت من العرب من يقول ﴿ وما كان الله ليعذبهم ﴾ بفتح اللام وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن انتهى، وبفتح اللام في ﴿ ليعذبهم ﴾ قرأ أبو السّمال، وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو بالفتح في لام الأمر في قوله ﴿ فلينظر الإنسان إلى طعامه ﴾، وروى ابن مجاهد عن أبي زيد أن من العرب من يفتح كلّ لام إلا في نحو : الحمد لله انتهى، يعني لام الجرّ إذا دخلت على الظاهر أو على ياء المتكلم والظرفية في فيهم مجاز والمعنى : وأنت مقيم بينهم غير راجل عنهم.