وقال القاسمى :
﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾
بيان للموجب لإمهالهم، وعدم إجابة دعائهم.
واللام لتأكيد النفي، والدلالة على أن تعذيبهم، والنبي بين أظهرهم، غير مستقيم في الحكمة، لأن سنته تعالى، وقضية حكمته، ألا يعذب أمة ونبيها بين ظهرانيها، لأنه لو نزل العذاب في مكانهم لأصاب كل من كان فيه، وفيه إشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم.
وقوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ ذكروا فيه ثلاثة أوجه :
الأول : أن المراد استغفار من بقي بين أظهرهم من المسلمين المستضعفين.
قال الطيبي : وهذا الوجه أبلغ، لدلالته على أن استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة.
والثاني : أن المراد به دعاء الكفرة بالمغفرة، وقولهم : غفرانك في طوافهم بالبيت، كما رواه ابن أبي حاتم، فيكون مجرد طلب المغفرة منه تعالى مانعاً من عذابه، ولو من الكفرة.
والثالث : أن المراد بالإستغفار التوبة، والرجوع عن الجميع ما هم عليه من الكفر وغيره، فيكون القيد منفيّاً في هذا، ثابتاً في الوجهين الأولين.
قال القاشانيّ : العذاب سورة الغضب وأثره، فلا يكون إلا من غضب النبي، أو من غضب الله المسبب من ذنوب الأمة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان صورة الرحمة، لقوله تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾، ولهذا لما كسروا رباعيته قال :< اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون >، ولم يغضب كما غضب نوح عليه السلام وقال :﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ﴾.


الصفحة التالية
Icon