وقال ابن عطية :
قوله عز وجل :﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾
توعد بعذاب الدنيا، فتقديره وما يعلمهم أو يدريهم ونحو هذا من الأفعال التي توجب أن تكون " أن " في موضع نصب، وقال الطبري : تقديره وما يمنعهم من أن يعذبوا، والظاهر في قوله ﴿ وما ﴾ أنها استفهام على جهة التقرير والتوبيخ والسيؤال، وهذا أفصح في القول وأقطع لهم في الحجة، ويصح أن تكون ﴿ ما ﴾ نافية ويكون القول إخباراً، أي وليس لهم ألا يعذبوا وهم يصدون، وقوله ﴿ وهم يصدون ﴾ على التأويلين جملة في موضع الحال، و﴿ يصدون ﴾ في هذا الموضع معناه يمنعون غيرهم، فهو متعدٍّ كما قال الشاعر :[ الوافر ]
صددتِ الكأسَ عنا أمَّ عمرو... وقد تجيء صد عير متعدٍّ كما أنشد أبو علي :[ البسيط ]
صدت خليدة عنّا ما تكلّمُنا... والضمير في قوله ﴿ أولياؤه ﴾ عائد على الله عز وجل من قوله ﴿ يعذبهم الله ﴾، أو على المسجد الحرام، كل ذلك جيد، روي الأخير عن الحسن، والضمير الآخر تابع للأول وقوله ﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ معناه لا يعلمون أنهم ليسوا بأوليائه بل يظنون أنهم أولياؤه، وقوله ﴿ أكثرهم ﴾ ونحن نجد كلهم بهذه الصفة، لفظ خارج إما على أن تقول إنه لفظ خصوص أريد به العموم وهذا كثير في كلام العرب، ومنه حكى سيبويه من قولهم : قل من يقول ذلك، وهم يريدون لا يقوله أحد.
وإما أن يقول : إنه أراد بقوله ﴿ أكثرهم ﴾ أن يعلم ويشعر أن بينهم وفي خلالهم قوماً قد جنحوا إلى الإيمان ووقع لهم علم وإن كان ظاهرهم الكفر فاستثارهم من الجميع بقوله ﴿ أكثرهم ﴾ وكذلك كانت حال مكة وأهلها، فقد كان فيهم العباس وأم الفضل وغيرها، وحكى الطبري عن عكرمة قال الحسن بن أبي الحسن : إن قوله ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾، ناسخ لقوله ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر، لأنه خبر لا يدخله نسخ. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾