وقال الآلوسى :
﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله ﴾
أي أي شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم أي لا حظ لهم في ذلك وهم معذبون لا محالة إذا زال المانع وكيف لا يعذبون ﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام ﴾ أي وحالهم الصد عن ذلك حقيقة كما فعلوا عام الحديبية وحكماً كما فعلوا برسول الله ﷺ وأصحابه حتى ألجأوهم للهجرة، ولما كانت الآيتان يتراءى منهما التناقض زادوا في التفسير إذا زال ليزول كما ذكرنا، وأنت تعلم أنه إذا حمل التعذيب في كل على تعذيب الاستئصال احتيج إلى القول بوقوعه بعد زوال المانع وهو خلاف الواقع، وقال بعضهم في دفع ذلك : إن التعذيب فيما مر تعذيب الاستئصال وهنا التعذيب بقتل بعضهم، ونقل الشهاب عن الحسن والعهدة عليه أن هذه نسخت ما قبلها، والظاهر أنه أراد النفيين السابقين، والذي في "الدر المنثور" أنه وكذا عكرمة والسدي قالوا : إن قوله سبحانه :﴿ وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] منسوخ بهذه الآية، وأياماً كان يرد عليه أنه لا نسخ ف يالإخبار إلا إذا تضمنت حكماً شرعياً، وفي تضمن المنسوخ هنا ذلك خفاء، وقال محمد بن إسحاق : أن الآية الأولى متصلة بما قبلها على أنها حكاية عن المشركين فإنهم كانوا يقولون : إن الله تعالى لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب سبحانه أمة ونبيها معها فقص الله تعالى ذلك على نبيه ﷺ مع قولهم الآخر فكأنه قيل : وإذ قالوا اللهم الخ وقالوا أيضاً : كيت وكيت ثم رد عليهم بقوله سبحانه :﴿ لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله ﴾ على معنى أنهم يعذبون وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون، وفيه أن وقوع ذلك القول منهم في غاية البعد مع أن الظاهر حينئذ أن يقال : ليعذبنا ومعذبنا ونحن نستغفر ليكون على طرز قولهم السابق، وأيضاً الأخبار الكثيرة تأبى ذلك، فقد أخرج أبو الشيخ.
والحاكم وصححه.


الصفحة التالية
Icon