فصل


قال الفخر :
﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾
اعلم أنه تعالى لما قال في حق الكفار أنهم ما كانوا أولياء البيت الحرام.
وقال :﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون﴾ [ الأنفال : ٣٤ ] بين بعده ما به خرجوا من أن يكونوا أولياء البيت، وهو أن صلاتهم عند البيت وتقربهم وعبادتهم إنما كان بالمكاء والتصدية.
قال صاحب "الكشاف" : المكاء فعال بوزن النغاء والرغاء من مكا يمكو إذا صفر، والمكاء الصفير.
ومنه المكاء وهو طائر يألف الريف، وجمعه المكاكي سمى بذلك لكثرة مكانه.
وأما التصدية فهي التصفيق.
يقال : صدى يصدي تصدية إذا صفق بيديه، وفي أصلها قولان : الأول : أنها من الصدى وهو الصوت الذي يرجع من جبل.
الثاني : قال أبو عبيدة : أصلها تصددة، فأبدلت الياء من الدال.
ومنه قوله تعالى :﴿إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ [ الزخرف : ٥٧ ] أي يعجزون، وأنكر بعضهم هذا الكلام، والأزهري صحح قول أبي عبيدة.
وقال : صدى أصله صدى، فكثرت الدالات الدالة فقلبت إحداهن ياء.
إذا عرفت هذا فنقول : قال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون وقال مجاهد : كانوا يعارضون النبي ﷺ في الطواف ويستهزؤون به ويصفرون ويخلطون عليه طوافه وصلاته، وقال مقاتل : كان إذا صلى الرسول في المسجد يقومون عن يمينه ويساره بالتصفير والتصفيق ليخلطوا عليه صلاته.
فعلى قول ابن عباس : كان المكاء والتصدية نوع عبادة لهم، وعلى قول مجاهد ومقاتل، كان إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم.
والأول أقرب لقوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً ﴾.
فإن قيل : المكاء والتصدية ما كانا من جنس الصلاة فكيف يجوز استثناؤهما عن الصلاة ؟
قلنا : فيه وجوه : الأول : أنهم كانوا يعتقدون أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة، فخرج هذا الاستثناء على حسب معتقدهم.


الصفحة التالية
Icon