وقال ابن عطية :
﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) ﴾
قرأ الجمهور " وما كان صلاتُهم " بالرفع " عند البيت لا مكاءً " بالنصب " وتصديةً " كذلك، وروي عن عاصم أنه قرأ :" صلاتَهم " بالنصب " إلا مكاءٌ وتصديةٌ " بالرفع، ورويت عن سليمان الأعمش بخلاف عنه فيما حكى أبو حاتم، وذكر أبو علي عن الأعمش أنه قال في قراءة عاصم : أفإن لحن عاصم تلحن أنت؟ قال أبو الفتح : وقد روي الحرف كذلك عن أبان بن تغلب، قال قوم : وهذه القراءة خطأ لأنه جعل الاسم نكرة والخبر معرفة، قال أبو حاتم : فإن قيل إن المكاء والتصدية اسم جنس واسم الجنس معرفاً ومنكراً واحد في التعريف، قيل إن استعماله هكذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، كما قال حسان :[ الوافر ].
كأنَّ سبيئةً من بيت رأس... يكون مزاجها عسلٌ وماءُ
ولا يقاس على ذلك، فأما أبو الفتح فوجه هذه القراءة بما ذكرناه من تعريف اسم الجنس وبعد ذلك يرجح قراءة الناس قال أبو علي الفارسي : وإنما ذهب من ذهب إلى هذه القراءة لما رأى الفعل أن الصلاة مؤنثة ورأى المسند إليها ليس فيه علامة تأنيث فأراد تعليقه بمذكر وهو المكاء، وأخطأ في ذلك، فإن العرب تعلق الفعل لا علامة فيه بالمؤنث، ومنه قوله تعالى :﴿ وأخذ الذين ظلموا الصيحة ﴾ [ هود : ٦٧ ] وقوله ﴿ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ﴾ [ النمل : ٥١ ] ﴿ وكيف كان عاقبة المفسدين ﴾ [ الأعراف : ٨٦ - ١٠٣، النمل : ١٤ ] ونحو هذا مما أسند فيه الفعل دون علامة إلى المؤنث، والمكاء على وزن الفعال الصفير قاله ابن عباس والجمهور، فقد يكون بالفم وقد يكون بالأصابع والكف في الفم، قال مجاهد وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقد يشارك الأنف يقال مكا يمكو إذا صفر، ومنه قول عنترة :[ الكامل ]
وخليل غانية تركت مجدلاً... تمكو فريصته كشدق الأعلم
ومنه قول الشاعر :