وحقيقة إنهم يذيعونه بعد أن نجحوا في تحويله في نفوس الناس " المسلمين "! - إلى مجرد أنغام وتراتيل ؛ أو مجرد تمائم وتعاويذ! وبعد أن أبعدوه - حتى في خاطر الناس.. المسلمين!.. من أن يكون مصدر التوجيه للحياة ؛ وأقاموا مصادر غيره للتوجيه في جميع الشؤون.. ولكن هذا الكتاب ما يزال يعمل من وراء هذا الكيد ؛ وسيظل يعمل ؛ وما تزال في أنحاء في الأرض عصبة مسلمة تتجمع على جدية هذا الكتاب، وتتخذه وحده مصدر التوجيه ؛ وهي ترتقب وعد الله لها بالنصر والتمكين، من وراء الكيد والسحق والقتل والتشريد.. وما كان مرة لا بد أن سيكون..
ثم يمضي السياق يصف العجب العاجب من عناد المشركين في وجه الحق الذي يغالبهم فيغلبهم ؛ فإذا الكبرياء تصدهم عن الاستسلام له والإذعان لسلطانه ؛ وإذا بهم يتمنون على الله - إن كان هذا هو الحق من عنده - أن يمطر عليهم حجارة من السماء، أو أن يأتيهم بعذاب أليم. بدلاً من أن يسألوا الله أن يرزقهم اتباع هذا الحق والوقوف في صفه :
﴿ وإذ قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم ﴾..
وهو دعاء غريب ؛ يصور حالة من العناد الجامح الذي يؤثر الهلاك على الإذعان للحق، حتى ولو كان حقاً! إن الفطرة السليمة حين تشك تدعو الله أن يكشف لها عن وجه الحق، وأن يهديها إليه، دون أن تجد في هذا غضاضة.
ولكنها حين تفسد بالكبرياء الجامحة، تأخذها العزة بالإثم، حتى لتؤثر الهلاك والعذاب، على أن تخضع للحق عندما يكشف لها واضحاً لا ريب فيه.. وبمثل هذا العناد كان المشركون في مكة يواجهون دعوة رسول الله ـ ﷺ ـ ولكن هذه الدعوة هي التي انتصرت في النهاية في وجه هذا العناد الجامح الشموس!