وفي صحيح مسلم :" أن رجلاً فيمن كان قبلكم قتل تسعة وتسعين نفساً ثم سأل هل له من توبة فجاء عابداً فسأله هل له من توبة فقال : لا توبة لك فقتله فكمل به مائة " الحديث.
فانظروا إلى قول العابد : لا توبة لك ؛ فلما علم أنه قد أيئسه قَتله، فِعْلَ الآيس من الرحمة.
فالتنفير مفسدة للخليقة، والتيسير مصلحة لهم.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا جاء إليه رجل لم يقتل فسأله : هل لقاتلٍ من توبة؟ فيقول : لا توبة ؛ تخويفاً وتحذيراً.
فإذا جاءه مَن قتل فسأله : هل لقاتل من توبة؟ قال له : لك توبة ؛ تيسيراً وتأليفاً.
وقد تقدّم.
الثالثة : قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن طلّق في الشرك ثم أسلم ؛ فلا طلاق له.
وكذلك من حلف فأسلم فلا حنث عليه.
وكذا من وجبت عليه هذه الأشياء ؛ فذلك مغفور له.
فأما من افترى على مسلم ثم أسلم أو سَرق ثم أسلم أُقيم عليه الحدّ للفِرية والسرقة.
ولو زنى وأسلم، أو اغتصب مسلمة ثم أسلم سقط عنه الحدّ.
وروى أشهب عن مالك أنه قال : إنما يعني الله عز وجل ما قد مضى قبل الإسلام، من مال أو دم أو شيء.
قال ابن العربيّ : وهذا هو الصواب ؛ لما قدّمناه من عموم قوله تعالى :﴿ قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾، وقوله :" الإسلام يهدِم ما قبله "، وما بيناه من المعنى من التيسير وعدم التنفير.
قلت : أما الكافر الحربِيّ فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب.
وأما إن دخل إلينا بأمان فقذف مسلماً فإنه يحدّ، وإن سرق قطع.
وكذلك الذِّميّ إذا قذف حدّ ثمانين، وإذا سرق قطِع، وإن قتل قتل.
ولا يُسقط الإسلام ذلك عنه لنقضه العهد حال كفره ؛ على رواية ابن القاسم وغيره.