المراد بالعدوة الدنيا، ما يلي جانب المدينة، وبالقصوى، ما يلي جانب مكة وكان الماء في العدوة التي نزل بها المشركون، وكان استظهارهم من هذا الوجه أشد ﴿والركب﴾ العير التي خرجوا لها كانت في موضع ﴿أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ إلى ساحر البحر ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ﴾ أنتم وأهل مكة على القتال، لخالف بعضكم بعضاً لقلتكم وكثرتهم ﴿ولكن لّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ أي أنه يثبتكم الله، وينصركم، ليقضي أمراً كان مفعولاً، واجباً أن يخرج إلى الفعل وقوله :﴿لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ﴾ بدل من قوله :﴿لّيَقْضِيَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
لا شك أن عسكر الرسول عليه السلام في أول الأمر كانوا في غاية الخوف والضعف بسبب القلة وعدم الأهبة، ونزلوا بعيدين عن الماء، وكانت الأرض التي نزلوا فيها أرضاً رملية تغوص فيها أرجلهم.
وأما الكفار، فكانوا في غاية القوة بسبب الكثرة في العدد، وبسبب حصول الآلات والأدوات، لأنهم كانوا قريبين من الماء، ولأن الأرض التي نزلوا فيها كانت صالحة للمشي، ولأن العير كانوا خلف ظهورهم، وكانوا يتوقعون مجيء المدد من العير إليهم ساعة فساعة، ثم إنه تعالى قلب القصة وعكس القضية، وجعل الغلبة للمسلمين، والدمار على الكافرين فصار ذلك من أعظم المعجزات وأقوى البينات على صدق محمد ﷺ، فيما أخبر عن ربه من وعد النصر والفتح والظفر.
فقوله :﴿لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ﴾ إشارة إلى هذا المعنى، وهو أن الذين هلكوا إنما هلكوا بعد مشاهدة هذه المعجزة، والمؤمنون الذين بقوا في الحياة شاهدوا هذه المعجزة القاهرة، والمراد من البينة هذه المعجزة.
المسألة الثانية :