وروي أن عمرو بن وهب أو الحارث بن هشام قال له أين سراقة؟ فلم يلو ومثل عدو الله فذهب ووقعت الهزيمة، فتحدث أن سراقة فر بالناس، فبلغ ذلك سراقة بن مالك، فأتى مكة فقال لهم : والله ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من بني مدلج، فقال ﴿ لا غالب لكم اليوم ﴾ الآية، و﴿ اليوم ﴾ ظرف، والعمل فيه معنى نفي الغلبة، ويحتمل أن يكون العامل متعلق ﴿ لكم ﴾ وممتنع أن يعمل ﴿ غالب ﴾ لأنه كان يلزم أن يكون لا غالباً، وقوله ﴿ إني جار لكم ﴾ معناه فأنتم في ذمتي وحماي، و﴿ وتراءت ﴾ تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء، وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر " ترأت " مقصورة، وحكى أبو حاتم عن الأعمش أنه أمال والراء مرققة ثم رجع عن ذلك، وقوله ﴿ نكص على عقيبه ﴾ معناه رجع من حيث جاء، وأصل النكوص في اللغة الرجوع القهقرى، وقال زهير :
هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا... لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا
كذا أنشد الطبري، وفي رواية الأصمعي إذا ما استلأموا وبذلك فسر الطبري هذه الآية، وفي ذلك بعد، وإنما رجوعه في هذه الآية مشبه بالنكوص الحقيقي، وقال اللغويون : النكوص، الإحجام عن الشيء، يقال أراد أمراً ثم نكص عنه، وقال تأبَّطَ شرّاً :[ البسيط ]
ليس النكوصُ على الأدبار مكرمةً... إن المكارم إقدامٌ علىلأسَل
قال القاضي أبو محمد : فليس هنا قهقرى بل هو فرار، وقال مؤرج : نكص هي رجع بلغة سليم.