وقال ابن عطية :
قوله ﴿ الذين عاهدت منهم ﴾
يحتمل أن يريد أن الموصوف ب ﴿ شر الدواب ﴾ هم الذين لا يؤمنون المعاهدون من الكفار فكانوا شر الدواب على هذا بثلاثة أوصاف : الكفر والموافاة عليه والمعاهدة مع النقض، و﴿ الذين ﴾ على هذا بدل البعض من الكل، ويحتمل أن يريد بقوله ﴿ الذين عاهدت ﴾ ﴿ الذين ﴾ الأولى، فتكون بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، والمعنى على هذا الذين عاهدت فرقة أو طائفة منهم، ثم ابتدأ يصف حال المعاهدين بقوله :﴿ ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ﴾ والمعاهدة في هذه الآية المسالمة وترك الحرب، وأجمع المتأولون أن الآية نزلت في بني قريظة وهي بعد تعم كل من اتصف بهذه الصفة إلى يوم القيامة، ومن قال إن المراد ب ﴿ الدواب ﴾ الناس فقول لا يستوفي المذمة، ولا مرية في أن الدواب تعم الناس وسائر الحيوان، وفي تعميم اللفظة في هذه الآية استيفاء المذمة، وقوله ﴿ في كل مرة ﴾ يقتضي أن الغدر قد كان وقع منهم وتكرر ذلك، وحديث قريظة هو أنهم عاهدوا رسول الله ﷺ، على ألا يحاربوه ولا يعينوا عليه عدواً من غيرهم، فلما اجتمعت الأحزاب على النبي ﷺ بالمدينة غلب على ظن بني قريظة أن النبي ﷺ، مغلوب ومستأصل، وخدع حيي بن أخطب النضري كعب بن أسد القرظي صاحب بني قريظة وعهدهم، فغدروا ووالوا قريشاً وأمدوهم بالسلاح والأدراع، فلما انجلت تلك الحال عن النبي ﷺ، أمره الله بالخروج إليهم وحربهم فاستنزلوا، وضربت أعناقهم بحكم سعد بن معاذ، واستيعاب القصة في سيرة ابن هشام، وإنما اقتضبت منها ما يخص تفسير الآية. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon