فصل
قال الفخر :
﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) ﴾
اعلم أنه تعالى تارة يرشد رسوله إلى الرفق واللطف في آيات كثيرة.
منها قوله :﴿وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين﴾ [ الأنبياء : ١٠٧ ] ومنها قوله :﴿فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الامر﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] وتارة يرشد إلى التغليظ والتشديد كما في هذه الآية، وذلك لأنه تعالى لما ذكر الذين ينقضون عهدهم في كل مرة، بين ما يجب أن يعاملوا به فقال :﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الحرب﴾ قال الليث : ثقفنا فلاناً في موضع كذا، أي أخذناه وظفرنا به، والتشريد عبارة عن التفريق مع الاضطراب.
يقال : شرد يشرد شروداً، وشرده تشريداً، فمعنى الآية أنك إن ظفرت في الحرب بهؤلاء الكفار الذين ينقضون العهد فافعل بهم فعلاً يفرق بهم من خلفهم.
قال عطاء : تثخن فيهم القتل حتى يخافك غيرهم، وقيل : نكل بهم تنكيلاً يشرد غيرهم من ناقضي العهد ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي لعل من خلفهم يذكرون ذلك النكال فيمنعهم ذلك عن نقض العهد، وقرأ ابن مسعود فشرذ بالذال المنقطة من فوق بمعنى ففرق وكأنه مقلوب شذر، وقرأ أبو حيوة من خلفهم، والمعنى : فشرد تشريداً متلبساً بهم من خلفهم لأن أحد العسكرين إذا كسروا الثاني، فالكاسرون يعدون خلف المكسرين فأمر رسول الله ﷺ أن يشردهم في ذلك الوقت. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٥ صـ ١٤٦﴾