وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ وإما تخافن ﴾ الآية
قال أكثر المؤلفين في التفسير : إن هذه الآية هي من بني قريظة، وحكاه الطبري عن مجاهد، والذي يظهر من ألفاظ القرآن أمر بني قريظة قد انقضى عند قوله ﴿ فشرد بهم من خلفهم ﴾ ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية بأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى سالف الدهر، وبنو قريظة لم يكونا في حد من تخاف خيانته فترتب فيهم هذه الآية وإنما كانت خيانتهم ظاهره مشتهرة، فهذه الآية هي عندي فيمن يستقبل حاله من سائر الناس غير بني قريظة، وخوف الخيانة بأن تبدو جنادع الشر من قبل المعاهدين وتتصل عنه أقوال وتتحسس من تلقائهم مبادىء الغدر فتلك المبادىء معلومة والخيانة التي هي غايتهم مخوفة لا متيقنة، وحيئنذ ينبذ إليهم على سواء، فإن التزموا السلم على ما يجب وإلا حوربوا، وبنو قريظة نبذوا العهد مرتين، وقال يحيى بن سلام : تخاف في هذه الآية بمعنى تعلم.
قال القاضي أبو محمد : وليس كذلك، وقوله ﴿ خيانة ﴾ يقتضي حصول عهد لأن من ليس بينك وبينه عهد فليست محاربته لك خيانة، فأمر الله تعالى نبيه محمداً ﷺ إذا أحس من أهل عهد ما ذكرنا، وخاف خيانتهم أن يلقي إليهم عهدهم، وهو النبذ ومفعول قوله ﴿ فانبذ ﴾ محذوف تقديره إليهم عهدهم.
قال القاضي أبو محمد : وتقتضي قوة هذا اللفظ الحض على حربهم ومناجزتهم إن لم يستقيموا، وقوله ﴿ على سواء ﴾ قيل معناه يكون الأمر في بيانه والعلم به على سواء منك ومنهم، فتكونون فيه أي في استشعار الحرب سواء، وقيل معنى قوله ﴿ على سواء ﴾ أي على معدلة أي فذلك هو العدل والاستواء في الحق، قال المهدوي : معناه جهراً لا سراً.
قال القاضي أبو محمد : وهذا نحو الأول، وقال الوليد بن مسلم :﴿ على سواء ﴾ معناه على مهل كما قال تعالى :﴿ براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ﴾ [ التوبة : ٢ ].