وقال أبو حيان :
﴿ وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ﴾.
الظاهر أنّ هذا استئناف كلام أخبره الله تعالى بما يصنع في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى سالف الدهر.
وقال مجاهد هي في بني قريظة ولا يظهر ما قال لأن بني قريظة لم يكونوا في حد من خاف منه خيانة لأن خيانتهم كانت ظاهرة مشهورة، ولقوله ﴿ من قوم ﴾ فلو كانت في بني قريظة ﴿ وإما تخافنّ ﴾ منهم، وقال يحيى بن سلام :﴿ تخافنّ ﴾ بمعنى تعلم وحكاه بعضهم أنه قول الجمهور، وقيل الخوف على بابه فالمعنى أنه يظهر منهم مبادىء الشرّ وينقل عنهم أقوال تدلّ على الغدر فالمبادىء معلومة والخيانة التي هي غاية المبادىء مخوفة لا متيقنة ولفظ الخيانة دالّ على تقدم عهد لأنه من لا عهد بينك وبينه لا تكون محاربته خيانة فأمر الله تعالى نبيه إذا أحسّ من أهل عهد ما ذكرنا وخاف خيانتهم أن يلقي إليهم عهدهم وهو النّبذ ومفعول ﴿ فانبذ ﴾ محذوف التقدير ﴿ فانبذ إليهم ﴾ عهدهم أي ارمه واطرحه، وفي قوله ﴿ فانبذ ﴾ عدم اكتراث به كقوله ﴿ فنبذوه وراء ظهورهم ﴾ ﴿ فنبذناهم في اليم ﴾ كما قال، نبذ الحذاء المرقع، وكأنه لا ينبذ ولا يرمي إلا الشيء التافه الذي لا يبالي به وقوّة هذا اللفظ تقتضي حربهم ومناجزتهم أن يستقصوا ومعنى على سواء أي على طريق مستو قصد وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخباراً مكشوفاً بيّناً إنك قطعت ما بينك وبينهم ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك ﴿ إنّ الله لا يحب الخائنين ﴾ فلا يكن منك إخفاءً للعهد قاله الزمخشري بلفظه وغيره كابن عباس بمعناه، وقال الوليد بن مسلم : على سواء على مهل كما قال تعالى :﴿ براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ﴾ الآية.