وقال ابن عاشور :
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
استئناف بياني.
والإشارة إلى مضمون قوله :﴿ فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب ﴾ [ الأنفال : ٥٢ ] أي ذلك المذكور بسبب أنّ الله لم يك مغيّرا إلخ أي ذلك الأخذ بسبب أعمالهم التي تسببوا بها في زوال نعمتهم.
والإشارة تفيد العناية بالمخبر عنه، وبالخبر.
والتسبيب يقتضي أنّ آل فرعون والذين من قبلهم كانوا في نعمة فغيرها الله عليهم بالنقمة، وأنّ ذلك جرى على سنة الله أنّه لا يسلب نعمة أنعمها على قوم حتّى يغيّروا ذلك بأنفسهم، وأنّ قوم فرعون والذين من قبلهم كانوا من جملة الأقوام الذين أنعم الله عليهم فتسببّوا بأنفسهم في زوال النعمة كما قال تعالى :﴿ وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ﴾ [ القصص : ٥٨ ].
وهذا إنذار لقريش يحلّ بهم مثل ما حَلّ بغيرهم من الأمم الذين بطروا النعمة.
فقوله :﴿ لم يك مغيراً ﴾ مؤذن بأنّه سنة الله ومقتضى حكمته، لأنّ نفي الكون بصيغة المضارع يقتضي تجدد النفي ومنفيّه.
و"التغيير" تبديل شيء بما يضاده فقد يكون تبديلَ صورة جسم كما يقال : غَيّرتُ داري، ويكون تغيير حال وصفة ومنه تغيير الشيب أي صباغه، وكأنه مشتقّ من الغير وهو المخالف، فتغيير النعمة إبدالها بضدّها وهو النقمة وسوء الحال، أي تبديل حالة حسنة بحالة سيّئة.
ووصف النعمة بـ ﴿ أنعمها على قوم ﴾ للتذكير بأنّ أصل النعمة من الله.
و﴿ ما بأنفسهم ﴾ موصول وصلة، والباء للملابسة، أي ما استقرّ وعلق بهم.
وما صْدق ﴿ ما ﴾ النعمة التي أنعم الله عليهم كما يؤذن به قوله :﴿ مغيراً نعمة أنعمها على قوم ﴾ والمراد بهذا التغيير تغيير سببه.
وهو الشكر بأن يبدلوه بالكفران.


الصفحة التالية
Icon