يَتَمَثَلُونَ بِهِ مُعْجَبِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْهَمُونَ مَدْلُولَ أَلْفَاظِهِ، وَشَرَفَ مَوْضُوعِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ حِكْمَتَهُ التَّفْصِيلِيَّةَ الْعَمَلِيَّةَ، وَمَاذَا يَكُونُ مِنْ تَأْثِيرِ فَسَادِ كُلِّ خُلُقٍ مِنْ أَخْلَاقِ الْفَضَائِلِ فِي أَعْمَالِ الْأَفْرَادِ، ثُمَّ فِي ضَعْفِ الْأُمَّةِ وَانْحِلَالِهَا - ذَلِكَ الْفِقْهُ الَّذِي حَقَّقْنَا مَعْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا (٧ : ١٧٩) فَرَاجِعْهُ مَعَ بَيَانِ مَرَاتِبِ السَّمَاعِ وَالْفَهْمِ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ ٢٠ - ٢٣ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ.
إِنَّ مِنَ الْأَخْلَاقِ مَا لَا يُجَادِلُ أَحَدٌ فِي حُسْنِهِ فِي نَفْسِهِ، وَفِي اسْتِقَامَةِ الْمُعَامَلَاتِ الْعَامَّةِ فِي الْأُمَّةِ بِهِ كَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَدْلِ، وَإِنِ امْتَرَى كَثِيرُونَ أَوْ مَارَوْا فِي كَوْنِهَا دَعَائِمَ أَسْبَابِ النَّجَاحِ وَالْفَلَاحِ فِي الْمَعِيشَةِ أَوِ التَّرَقِّي فِي مَنَاصِبِ الْحُكُومَةِ، وَلَكِنْ قَلَّمَا يَجْهَلُ أَحَدٌ مِنْ أَذْكِيَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُمْتَرِينَ فِي فَسَادِ الْجَمَاعَةِ أَوِ الشَّرِكَةِ أَوِ الْحُكُومَةِ الَّتِي يَرْتَقِي الْعَامِلُ فِيهَا بِالْكَذِبِ، وَالْخِيَانَةِ وَالظُّلْمِ، وَإِذَا بَلَغَ قَوْمٌ هَذِهِ الْغَايَةَ مِنَ الْفَسَادِ أَلِفُوهُ وَعَدُّوهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْحَيَاةِ، وَلَمْ تَعُدْ قُلُوبُهُمْ تَتَوَجَّهُ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ بِإِصْلَاحِ مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا يَتَلَافَوْنَ مِنْ شَرِّهِ مَا اسْتَطَاعُوا بِبَعْضِ النُّظُمِ وَالْقَوَانِينِ الصُّورِيَّةِ.


الصفحة التالية
Icon