وَإِنَّ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ مَا صَارَ الْفَاسِدُونَ الْمُفْسِدُونَ يُجَادِلُونَ فِي حُسْنِهِ، وَكَوْنِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ الَّتِي يَصْلُحُ بِهَا حَالُ الْأَفْرَادِ، وَيَرْتَقِي بِهِ مَجْمُوعُ الْأُمَّةِ كَالْحَيَاءِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعِفَّةِ. يَقُولُونَ : إِنَّ الْحَيَاءَ ضَعْفٌ فِي النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ الرَّحْمَةُ. وَهَذَا خَطَأٌ لَا مَحَلَّ هُنَا لِبَيَانِهِ، وَهُوَ قَدِيمٌ، وَإِنَّمَا الْجَدِيدُ الَّذِي لَمْ يَطْرُقْ مَسَامِعَنَا قَبْلَ هَذِهِ الْأَيَّامِ هُوَ الْمِرَاءُ فِي فَضِيلَةِ الْعِفَّةِ، فَإِنَّ دُعَاةَ الْفَسَادِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ تَجْدِيدَ الْأُمَّةِ قَدِ اقْتَرَفُوا هَذِهِ الْجَرِيمَةَ، وَلَا غَرْوَ فَإِنَّ مِنْ أَرْكَانِهِ عِنْدَهُمْ تَهَتُّكُ النِّسَاءِ، وَامْتِزَاجُهُنَّ بِالرِّجَالِ فِي الْمَلَاعِبِ وَالْمَرَاقِصِ وَالْمَسَارِحِ وَالْمَسَابِحِ مَوَاضِعِ السِّبَاحَةِ فِي الْبَحْرِ (فَقَدْ كَتَبَ أَحَدُهُمْ فِي بَعْضِ الصُّحُفِ النَّاشِرَةِ لِدَعَايَتِهِمْ أَنَّ الْعِفَّةَ يَخْتَلِفُ مَعْنَاهَا بِاخْتِلَافِ مَعَارِفِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَأَذْوَاقِهِمْ وَتَقَدُّمِهِمْ فِي الْحَضَارَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرْتَقِينَ الْآنَ لَا يَعُدُّونَ رَقْصَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ مُنَافِيًا لِلْعِفَّةِ، وَلَا مُخِلًّا بِهَا. وَوَثَبَ كَاتِبٌ آخَرُ مِنْهُمْ وَثْبَةً أُخْرَى فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ إِرْخَاءَ الْعِنَانِ لِلشَّهَوَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لَا يَضُرُّ فِي الْجَسَدِ، وَلَا فِي النَّفْسِ، وَلَا يُخِلُّ بِالْآدَابِ، وَلَا يُضْعِفُ الْأُمَّةَ عَدَمُ الْتِزَامِ الْأَدْيَانِ وَالشَّرَائِعِ فِيهِ - قَالَ الْمُفْسِدُ قَاتَلَهُ اللهُ : وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا بِالتَّجْرِبَةِ فِي الْأُمَّةِ


الصفحة التالية
Icon