وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ سبقوا ﴾
أي من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة.
ثم استأنف فقال :﴿ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾ أي في الدنيا حتى يظفرك الله بهم.
وقيل : يعني في الآخرة.
وهو قول الحسن.
وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة "يحسبن" بالياء والباقون بالتاء، على أن يكون في الفعل ضمير الفاعل.
و"الَّذِينَ كَفَرُوا" مفعول أوّل.
و"سَبَقُوا" مفعول ثان.
وأما قراءة الياء فزعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن هذا لحن لا تحل القراءة به، ولاتسع لمن عَرَف الإعراب أو عُرِّفه.
قال أبو حاتم : لأنه لم يأت ل "يحسبن" بمفعول وهو يحتاج إلى مفعولين.
قال النحاس : وهذا تحامل شديد، والقراءة تجوز ويكون المعنى : ولا يحسبن مَن خلفهم الذين كفروا سبقوا ؛ فيكون الضمير يعود على ما تقدّم، إلا أن القراءة بالتاء أبين.
الْمَهْدوِيّ : ومن قرأ بالياء احتمل أن يكون في الفعل ضمير النبيّ ﷺ، ويكون "الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا" المفعولين.
ويجوز أن يكون "الَّذِينَ كَفَرُوا" فاعلاً، والمفعول الأوّل محذوف ؛ المعنى : ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا.
مَكِّيّ : ويجوز أن يضمر مع سبقوا أنْ، فيسدّ مسدّ المفعولين والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا ؛ فهو مثل ﴿ أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا ﴾ [ العنكبوت : ٢ ] في سد أنْ مسدّ المفعولين.
وقرأ ابن عامر "أَنَّهم لا يُعجزون" بفتح الهمزة.
واستبعد هذه القراءةَ أبو حاتم وأبو عُبيد.
قال أبو عبيد : وإنما يجوز على أن يكون المعنى : ولا تحسبن الذين كفروا أنهم لا يعجزون.
قال النحاس : الذي ذكره أبو عبيد لا يجوز عند النحويين البصريين، لا يجوز حسبت زيداً أنه خارج، إلا بكسر الألف، وإنما لم يجز لأنه في موضع المبتدأ ؛ كما تقول : حسبت زيداً أبوه خارج، ولو فتحت لصار المعنى حسبت زيداً خروجَه.


الصفحة التالية
Icon