قال عكرمة : ومن رباط الخيل الأناث وهو قول الفراء، ووجه هذا القول أن العرب تسمي الخيل إذا ربطت في الأفنية وعلفت ربطاً واحدها ربيط، ويجمع ربط على رباط وهو جمع الجمع، / فمعنى الربا ط ههنا، الخيل المربوط في سبيل الله، وفسر بالإناث لأنها أولى ما يربط لتناسلها ونمائها بأولادها، فارتباطها أولى من ارتباط الفحول، هذا ما ذكره الواحدي.
ولقائل أن يقول : بل حمل هذا اللفظ على الفحول أولى، لأن المقصود من رباط الخيل المحاربة عليها، ولا شك أن الفحول أقوى على الكر والفر والعدو، فكانت المحاربة عليها أسهل، فوجب تخصيص هذا اللفظ بها، ولما وقع التعارض بين هذين الوجهين وجب حمل اللفظ على مفهومه الأصلي، وهو كونه خيلاً مربوطاً، سواء كان من الفحول أو من الإناث، ثم إنه تعالى ذكر ما لأجله أمر بإعداد هذه الأشياء.
فقال :﴿ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾ وذلك أن الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ومستعدين له مستكملين لجميع الأسلحة والآلات خافوهم، وذلك الخوف يفيد أموراً كثيرة : أولها : أنهم لا يقصدون دخول دار الإسلام.
وثانيها : أنه إذا اشتد خوفهم فربما التزموا من عند أنفسهم جزية.
وثالثها : أنه ربما صار ذلك داعياً لهم إلى الإيمان.
ورابعها : أنهم لا يعينون سائر الكفار.
وخامسها : أن يصير ذلك سبباً لمزيد الزينة في دار الإسلام.
ثم قال تعالى :﴿وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مّن قُوَّةٍ وَمِن﴾ والمراد أن تكثير آلات الجهاد وأدواتها كما يرهب الأعداء الذين نعلم كونهم أعداء، كذلك يرهب الأعداء الذين لا نعلم أنهم أعداء، ثم فيه وجوه : الأول : وهو الأصح أنهم هم المنافقون، والمعنى : أن تكثير أسباب الغزو كما يوجب رهبة الكفار فكذلك يوجب رهبة المنافقين.
فإن قيل : المنافقون لا يخافون القتال فكيف يوجب ما ذكرتموه الإرهاب ؟