وكذلك صالح رسول الله ﷺ كثيراً من أهل البلاد على مال يؤدونه ؛ من ذلك خَيْبر، ردّ أهلَها إليها بعد الغلبة على أن يعملوا ويؤدّوا النّصف.
قال ابن إسحاق : قال مجاهد عنى بهذه الآية قريظة ؛ لأن الجزية تقبل منهم، فأما المشركون فلا يقبل منهم شيء.
وقال السُّدِّيّ وابن زيد : معنى الآية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم.
ولا نسخ فيها.
قال ابن العربيّ : وبهذا يختلف الجواب عنه ؛ وقد قال الله عز وجل :﴿ فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم وَأَنتُمُ الأعلون والله مَعَكُمْ ﴾ [ محمد : ٣٥ ].
فإذا كان المسلمون على عِزّة وقُوّة ومنَعَة، وجماعة عديدة، وشدّة شديدة فلا صلح ؛ كما قال :
فلا صلَح حتى تُطعن الخيلُ بالقَنا...
وتُضرب بالبِيض الرقاق الجماجمُ
وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح، لنفعٍ يجتلبونه، أو ضرر يدفعونه، فلا بأس أن يبتدىء المسلمون به إذا احتاجوا إليه.
وقد صالح رسول الله ﷺ أهل خيبر على شروط نقضوها فنقض صلحهم.
وقد صالح الضَّمْرِيّ وأكَيْدِرَ دُومَة وأهلَ نجران، وقد هادن قريشاً لعشرة أعوام حتى نقضوا عهده.
وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرعناها سالكةً، وبالوجوه التي شرحناها عاملة.
قال القُشَيريّ : إذا كانت القوة للمسلمين فينبغي ألاّ تبلغ الهُدْنة سنة.
وإذا كانت القوة للكفار جاز مهادنتهم عشر سنين، ولا تجوز الزيادة.
وقد هادن رسول الله ﷺ أهل مكة عشر سنين.
قال ابن المنذر ؛ اختلف العلماء في المدة التي كانت بين رسول الله ﷺ وبين أهل مكة عام الحُدَيْبِية ؛ فقال عروة : كانت أربع سنين.
وقال ابن جريج : كانت ثلاث سنين.
وقال ابن إسحاق : كانت عشر سنين.