فصل
قال الفخر :
ثم إنه تعالى بين أنه كيف أيده بالمؤمنين.
فقال :﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
أن النبي ﷺ بعث إلى قوم أنفتهم شديدة وحميتهم عظيمة حتى لو لطم رجل من قبيلة لطمة قاتل عنه قبيلته حتى يدركوا ثأره، ثم إنهم انقلبوا عن تلك الحالة حتى قاتل الرجل أخاه وأباه وابنه، واتفقوا على الطاعة وصاروا أنصاراً، وعادوا أعواناً.
وقيل هم الأوس والخزرج، فإن الخصومة كانت بينهم شديدة والمحاربة دائمة، ثم زالت الضغائن، وحصلت الألفة والمحبة، فإزالة تلك العداوة الشديدة وتبديلها بالمحبة القوية والمخالصة التامة مما لا يقدر عليها إلا الله تعالى، وصارت تلك معجزة ظاهرة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن أحوال القلوب من العقائد والإرادات والكرامات كلها من خلق الله تعالى، وذلك لأن تلك الألفة والمودة والمحبة الشديدة إنما حصلت بسبب الإيمان ومتابعة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فلو كان الإيمان فعلاً للعبد لا فعلاً لله تعالى، لكانت المحبة المرتبة عليه فعلاً للعبد لا فعلاً لله تعالى، وذلك على خلاف صريح الآية.
قال القاضي : لولا ألطاف الله تعالى ساعة فساعة، لما حصلت هذه الأحوال، فأضيفت تلك المخالصة إلى الله تعالى على هذا التأويل، ونظيره أنه يضاف علم الولد وأدبه إلى أبيه، لأجل أنه لم يحصل ذلك إلا بمعونة الأب وتربيته، فكذا ههنا.