والجواب : كل ما ذكرتموه عدول عن الظاهر وحمل للكلام على المجاز، وأيضاً كل هذه الألطاف كانت حاصلة في حق الكفار، مثل حصولها في حق المؤمنين، فلو لم يحصل هناك شيء سوى الألطاف لم يكن لتخصيص المؤمنين بهذه المعاني فائدة، وأيضاً فالبرهان العقلي مقو لظاهر هذه الآية، وذلك لأن القلب يصح أن يصير موصوفاً بالرغبة بدلاً عن النفرة وبالعكس، فرجحان أحد الطرفين على الآخر لا بد له من مرجح، فإن كان ذلك المرجح هو العبد عاد التقسيم، وإن كان هو الله تعالى، فهو المقصود، فعلم أن صريح هذه الآية متأكد بصريح البرهان العقلي فلا حاجة إلى ما ذكره القاضي في هذا الباب.
المسألة الثالثة :
دلت هذه الآية على أن القوم كانوا قبل شروعهم في الإسلام ومتابعة الرسول في الخصومة الدائمة والمحاربة الشديدة يقتل بعضهم بعضاً ويغير بعضهم على البعض، فلما آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر.
زالت الخصومات، وارتفعت الخشونات، وحصلت المودة التامة والمحبة الشديدة.
واعلم أن التحقيق في هذا الباب أن المحبة لا تحصل إلا عند تصور حصول خير وكمال، فالمحبة حالة معللة بهذا التصور المخصوص، فمتى كان هذا التصور حاصلاً كانت المحبة حاصلة، ومتى حصل تصوير الشر والبغضاء : كانت النفرة حاصلة، ثم إن الخيرات والكمالات على قسمين : أحدهما : الخيرات والكمالات الباقية الدائمة، المبرأة عن جهات التغيير والتبديل، وذلك هو الكمالات الروحانية والسعادات الإلهية.


الصفحة التالية
Icon