﴿ والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] فيتصرف فيه حسب مشيئته وحكمته ﴿ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدنيا ﴾ أي القريبة من مدينة العلم ومحل العقل الفرقاني ﴿ وَهُم بالعدوة القصوى ﴾ أي البعيدة من الحق ﴿ والراكب ﴾ أي ركب القوى الطبيعية الممتارة ﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ معشر الفريقين ﴿ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ ﴾ اللقاء للمحاربة من طريق العقل دون طريق الرياضة ﴿ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد ﴾ لكون ذلك أصعب من خرط القتاد ﴿ ولكن لّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ﴾ قدراً محققاً فعل ذلك ﴿ لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ﴾ وهي النفس الملازمة للبدن الواجب الفناء ﴿ وَيُحْىِ مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ ﴾ [ الأنفال : ٤٢ ] وهي الروح المجردة المتصلة بعالم القدس الذي هو معدن الحياة الحقيقية الدائم البقاء، وبينة الأول تلك الملازمة وبينة الثاني ذلك التجرد والاتصال ﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ الله ﴾ أيها القلب ﴿ فِى مَنَامِكَ ﴾ وهو وقت تعطل الحواس الظاهرة وهدوء القوى البدنية ﴿ قَلِيلاً ﴾ أي قليل القدر ضعاف الحال ﴿ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً ﴾ في حال غلبة صفات النفس ﴿ لَّفَشِلْتُمْ ولتنازعتم فِى الأمر ﴾ أمر كسرها وقهرها لانجذاب كل منكم إلى جهة ﴿ ولكن الله سَلَّمَ ﴾ من الفشل والتنازع بتأييده وعصمته ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ [ الأنفال : ٤٣ ] أي بحقيقتها فيثبت علمه بما فيها من باب الأولى ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن ديارهم ﴾ وهم القوى النفسانية خرجوا من مقارهم وحدودهم ﴿ بَطَراً ﴾ فخراً وأشراً ﴿ وَرِئَاء الناس ﴾ وإظهاراً للجلادة.


الصفحة التالية
Icon