وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْآيَتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ، فَالْحَالُ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِالْمُسَالَمَةِ هِيَ حَالُ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، وَالْحَالُ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَبِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ هِيَ حَالُ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ وَاَللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ فَنَهَى عَنْ الْمُسَالَمَةِ عِنْدَ الْقُوَّةِ عَلَى قَهْرِ الْعَدُوِّ وَقَتْلِهِمْ ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا : إذَا قَدَرَ بَعْضُ أَهْلِ الثُّغُورِ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ وَمُقَاوَمَتِهِمْ لَمْ تَجُزْ لَهُمْ مُسَالَمَتُهُمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ إقْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ إلَّا بِالْجِزْيَةِ، وَإِنْ ضَعُفُوا عَنْ قِتَالِهِمْ جَازَ لَهُمْ مُسَالَمَتُهُمْ كَمَا سَالَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مِنْ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ وَهَادَنَهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ أَخَذَهَا مِنْهُمْ ؛ قَالُوا : فَإِنْ قَوُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قِتَالِهِمْ نَبَذُوا إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ ؛ قَالُوا : وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُ الْعَدُوِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ إلَّا بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لَهُمْ جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ


الصفحة التالية
Icon