وروي أنهم أخذوا الفداء نزلت هذه الآية فدخل عمر على رسول الله ﷺ، فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال : يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت، فقال أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه ولو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ.
هذا هو الكلام في سبب نزول هذه الآية.
المسألة الثالثة :
تمسك الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجوه :
الوجه الأول : أن قوله تعالى :﴿مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى﴾ صريح في أن هذا المعنى منهي عنه، وممنوع من قبل الله تعالى.
ثم إن هذا المعنى قد حصل، ويدل عليه وجهان : الأول : قوله تعالى بعد هذه الآية :﴿رَّحِيمٌ يا أيها النبى قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ الاسرى﴾ [ الأنفال : ٧٠ ] الثاني : أن الرواية التي ذكرناها قد دلت على أنه عليه الصلاة والسلام ما قتل أولئك الكفار، بل أسرهم، فكان الذنب لازماً من هذا الوجه.
الوجه الثاني : أنه تعالى أمر النبي عليه الصلاة والسلام وجميع قومه يوم بدر بقتل الكفار وهو قوله :﴿فاضربوا فَوْقَ الاعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [ الأنفال : ١٢ ] وظاهر الأمر للوجوب، فلما لم يقتلوا بل أسروا كان الأسر معصية.
الوجه الثالث : أن النبي ﷺ حكم بأخذ الفداء، وكان أخذ الفداء معصية، ويدل عليه وجهان : الأول : قوله تعالى :﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الاخرة﴾ وأجمع المفسرون على أن المراد من عرض الدنيا ههنا هو أخذ الفداء.
والثاني : قوله تعالى :﴿لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وأجمعوا على أن المراد بقوله :﴿أَخَذْتُمْ﴾ ذلك الفداء.


الصفحة التالية
Icon