قال : فلمّا كان من الغد جئت رسول الله ﷺ وإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء ما بكيت، فقال رسول الله ﷺ أبكي للذي عرض على اصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عُرض عليّ عذابكم، ودنا من هذه الشجرة شجرة، قريبة من نبي الله فأنزل الله تعالى ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى ﴾ "
بالتاء بصري الباقون بالياء، أسرى : جمع أسير مثل قتيل وقتلى ﴿ حتى يُثْخِنَ فِي الأرض ﴾ أي يبالغ في قتل المشركين وأسرهم وقهرهم، أثخن فلان في هذا الأمر أي بالغ، وأثخنته معرفة بمعنى قلته معرفة.
قال قتادة هذا يوم بدر، فاداهم رسول الله بأربعة آلاف بأربعة آلاف، ولعمري ما كان أثخن رسول الله ﷺ يومئذ، وكان أول قتال قاتل المشركين.
قال ابن عباس كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلمّا كثروا واشتد سلطانهم، أنزل الله تعالى بعد هذا في الأُسارى ﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً ﴾ [ محمد : ٤ ] فجعل الله نبيه والمؤمنين في أمر الأُسارى بالخيار إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم وأن شاءوا فادوهم وإن شاؤوا رفقوا بهم.
﴿ تُرِيدُونَ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ عَرَضَ الدنيا ﴾ بأخذكم الفداء ﴿ والله يُرِيدُ ﴾ ثواب ﴿ الآخرة ﴾ بقهركم المشركين ونصركم دين الله ﴿ والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾