وَرُوَاةُ الْمَغَازِي أَنَّ النَّبِيَّ أَخَذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَالَ لَا يَنْفَلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونُ حَظَرَ أَخْذَ الْأَسْرَى وَمُفَادَاتِهِمْ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ﴾ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ
لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ فَأَخَذَ النَّبِيُّ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ.
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا وَهُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَتْ الْمُعَاتَبَةُ مِنْ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَمُمْتَنِعٌ وُقُوعُ الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ قِيلَ لَهُ إنَّ أَخْذَ الْغَنَائِمِ وَالْأَسْرَى وَقَعَ بَدِيًّا عَلَى وَجْهِ الْحَظْرِ فَلَمْ يَمْلِكُوا مَا أَخَذُوا ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهَا لَهُمْ، وَمَلَّكَهُمْ إيَّاهَا فَالْأَخْذُ الْمُبَاحُ ثَانِيًا هُوَ غَيْرُ الْمَحْظُورِ أَوَّلًا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ فَرَوَى أَبُو زُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَبَقْت لَهُمْ الرَّحْمَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا الْمَعْصِيَةَ.
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ رِوَايَةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا ذَلِكَ مَعْصِيَةً صَغِيرَةً، وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ غُفْرَانَهَا بِاجْتِنَابِهِمْ الْكَبَائِرَ، وَكَتَبَ لَهُمْ ذَلِكَ قَبْلَ عَمَلِهِمْ لِلْمَعْصِيَةِ الصَّغِيرَةِ.