فصل
قال الفخر :
﴿والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن هذا الترتيب الذي اعتبره الله في هذه الآية في غاية الحسن لأنه ذكر ههنا أقساماً ثلاثة : فالأول : المؤمنون من المهاجرين والأنصار وهم أفضل الناس وبين أنه يجب أن يوالي بعضهم بعضاً.
والقسم الثاني : المؤمنون الذين لم يهاجروا فهؤلاء بسبب إيمانهم لهم فضل وكرامة وبسبب ترك الهجرة لهم حالة نازلة فوجب أن يكون حكمهم حكماً متوسطاً بين الإجلال والإذلال وذلك هو أن الولاية المثبتة للقسم الأول، تكون منفية عن هذا القسم، إلا أنهم يكونون بحيث لو استنصروا المؤمنين واستعانوا بهم نصروهم وأعانوهم.
فهذا الحكم متوسط بين الإجلال والإذلال.
وأما الكفار فليس لهم ألبتة ما يوجب شيئاً من أسباب الفضيلة.
فوجب كون المسلمين منقطعين عنهم من كل الوجوه فلا يكون بينهم ولاية ولا مناصلة بوجه من الوجوه، فظهر أن هذا التريب في غاية الحسن.
المسألة الثانية :
قال بعض العلماء : قوله :﴿والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ يدل على أن الكفار في الموارثة مع اختلاف مللهم كأهل ملة واحدة، فالمجوسي يرث الوثني، والنصراني يرث المجوسي، لأن الله تعالى قال :﴿والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾.
واعلم أن هذا الكلام إنما يستقيم إذا حملنا الولاية على الإرث وقد سبق القول فيه، بل الحق أن يقال : إن كفار قريش كانوا في غاية العداوة لليهود فلما ظهرت دعوة محمد ﷺ تناصروا وتعاونوا على إيذائه ومحاربته، فكان المراد من الآية ذلك.