فصل
قال الفخر :
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا القسم الثالث، عاد إلى ذكر القسم الأول والثاني مرة أخرى فقال :﴿والذين ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وجاهدوا فِي سَبِيلِ الله والذين ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ المؤمنون حَقّاً لَهمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.
واعلم أن هذا ليس بتكرار وذلك لأنه تعالى ذكرهم أولاً ليبين حكمهم وهو ولاية بعضهم بعضاً، ثم إنه تعالى ذكرهم ههنا لبيان تعظيم شأنهم وعلو درجتهم، وبيانه من وجهين : الأول : أن الإعادة تدل على مزيد الاهتمام بحالهم وذلك يدل على الشرف التعظيم.
والثاني : وهو أنه تعالى أثنى عليهم ههنا من ثلاثة أوجه : أولها : قوله :﴿أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون حَقّاً﴾ فقوله :﴿أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون﴾ يفيد الحصر وقوله :﴿حَقّاً﴾ يفيد المبالغة في وصفهم بكونهم محقين محققين في طريق الدين، والأمر في الحقيقة كذلك، لأن من لم يكن محقاً في دينه لم يتحمل ترك الأديان السالفة، ولم يفارق الأهل والوطن ولم يبذل النفس والمال ولم يكن في هذه الأحوال من المتسارعين المتسابقين.
وثانيها : قوله :﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ وتنكير لفظ المغفرة يدل على الكمال كما أن التنكير في قوله :﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حياة﴾ [ البقرة : ٩٦ ] يدل على كمال تلك الحياة، والمعنى : لهم مغفرة تامة كاملة عن جميع الذنوب والتبعات.
وثالثها : قوله :﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ والمراد منه الثواب الرفيع الشريف.