واحتج الذاهبون، إلى أن المراد من هذه الولاية الإرث، بأن قالوا : لا يجوز أن يكون المراد منها الولاية بمعنى النصرة والدليل عليه أنه تعالى عطف عليه قوله :﴿وَإِنِ استنصروكم فِى الدين فَعَلَيْكُمُ النصر﴾ ولا شك أن ذلك عبارة عن الموالاة في الدين والمعطوف مغاير للمعطوف عليه، فوجب أن يكون المراد بالولاية المذكورة أمراً مغايراً لمعنى النصرة وهذا الاستدلال ضعيف، لأنا حملنا تلك الولاية على التعظيم والإكرام وهو أمر مغاير للنصرة، ألا ترى أن الإنسان قد ينصر بعض أهل الذمة في بعض المهمات وقد ينصر عبده وأمته بمعنى الإعانة مع أنه لا يواليه بمعنى التعظيم والإجلال فسقط هذا الدليل.
المسألة الثانية :
قوله تعالى :﴿حتى يُهَاجِرُواْ ﴾.
واعلم أن قوله تعالى :﴿مَالَكُمْ مّن ولايتهم مّن شَىْء﴾ يوهم أنهم لما لم يهاجروا مع رسول الله ﷺ سقطت ولايتهم مطلقاً، فأزال الله تعالى هذا الوهم بقوله :﴿مَالَكُم مّن ولايتهم مّن شَىْء حتى يُهَاجِرُواْ﴾ يعني أنهم لو هاجروا لعادت تلك الولاية وحصلت، والمقصود منه الحمل على المهاجرة والترغيب فيها، لأن المسلم متى سمع أن الله تعالى يقول : إن قطع المهاجرة انقطعت الولاية بينه وبين المسلمين ولو هاجر حصلت تلك الولاية وعادت على أكمل الوجوه، فلا شك أن هذا يصير مرغباً له في الهجرة، والمقصود من المهاجرة كثرة المسلمين واجتماعهم وإعانة بعضهم لبعض، وحصول الألفة الشوكة وعدم التفرقة.
المسألة الثالثة :
قرأ حمزة ﴿مّن ولايتهم﴾ بكسر الواو، والباقون بالفتح.
قال الزجاج : من فتح جعلها من النصرة والنسب.
وقال : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة للفصل بين المعنيين وقد يجوز كسر الولاية لأن في تولي بعض القوم بعضاً جنساً من الصناعة كالقصارة والخياطة فهي مكسورة.
وقال أبو علي الفارسي : الفتح أجود، لأن الولاية ههنا من الدين والكسر في السلطان.


الصفحة التالية
Icon